Admin Admin
عدد المساهمات : 102 نقاط : 952 تاريخ التسجيل : 14/08/2009
| موضوع: تربية الأولاد في الإسلام الأربعاء سبتمبر 09, 2009 8:14 pm | |
| التربية الإسلامية : تربية الأولاد في الإسلام ـ التربية الاجتماعية ـ الدرس " 32 ": توقير الكبار والمعلمين " تربية الأولاد على حب واحترام معلمهم " ـ لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي .
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
أيها الأخوة الكرام ، مع درس جديد من دروس تربية الأولاد في الإسلام ، ولازلنا في التربية الاجتماعية ، ومع موضوع جديد ألا وهو توقير الكبار والمعلمين . بادئ ذي بدء : قال عليه الصلاة والسلام : (( وإنما بعثت معلماً )) . [أخرجه الحارث عن عبد الله بن عمرو بن العاص ] . فالتعليم من أشرف المهن ، إنها تتصل بصنعة الأنبياء . ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ . ( سورة فصلت ) . ولعل الانضباط الأخلاقي الذي يذكره السلف الصالح فيما مضى بسبب المعلم الذي يحمل رسالة . مرة كان عندنا أستاذ في الجامعة قال : إن أرت أن أدعو على إنسان بالشقاء أدعو عليه أن يكون معلماً ، وإن أردت أن أدعو لإنسان بالسعادة أدعو له أن يكون معلماً . كيف نوفق بين القولين ؟ نوفق بينهما ، المعلم الذي يحمل رسالة هو أسعد الناس، أما الذي لا يحمل رسالة هو أشقى الناس .
لذلك حينما قال الله عز وجل : ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ الآية واضحة جداً ؛ ليس في أهل الأرض من هو أفضل عند الله ممن دعا إلى الله : ﴿ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ . فلذلك : ليس من صالح الأمة ، ولا من صالح الأجيال ، ولا من صالح التقدم بالمصطلح الحديث أن تضعضع مكانة المعلم ، إن المعلم والطبيب كلاهما لا ينصحان إذا هما لم يكرما ، أي الأب المربي ، الأب الحكيم ، الأب المؤمن يربي ابنه على احترام المعلم ، لأن الأمة لا يمكن أن تبنى إلا من خلال المعلمين . مرة في لقاء ، في ندوة فضائية ، سألني المحاور : كيف السبيل إلى قوة الأمة ؟ قلت له : نبدأ بالصغار ، هذا الجيل الذي يعني المستقبل ، الكهول هم الحاضر ، والشيوخ هم الماضي ، والصغار هم المستقبل ، ولا أبالغ إذا قلت لكم : إن الورقة الرابحة الوحيدة التي بقيت في أيدي المسلمين أولادهم ، وما لم يكن ابنك كما تتمنى فأنت أشقى الناس ، لأنه امتداد لك ، لأنه استمرار لك ، تمشي في الطريق ترى شباناً ثلاثة يدخنون ، الأول ابنك فتفور و تغلي ، الثاني ابن أخيك أقل غلياناً ، الثالث صديق ابن أخيك لا تتأثر له ، ابنك يعني أنت ، ابنك استمرارك ، ابنك جزء من كيانك . أقسم لكم بالله أحياناً تتصل بي أخت كريمة ابنها تفلت من منهج الله ، يأتي الساعة الثانية ليلاً لا تعرف مع من ، ولا يجيبها بكلمة ، بل يتطاول عليها ، أقسم لكم بالله تكاد تموت من الألم . أنت حينما تعتني بأولادك تعتني بنفسك ، أنت حينما تربي أولادك تصطلح مع نفسك ، أنت حينما تربي أولادك تجلب سعادة لا توصف ، ذُكرتْ في القرآن الكريم : ﴿ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً ﴾ . ( سورة الفرقان ) .
قلت للمحاور : نبدأ من الصغار ، إن أردت بناء أمة قوية ، أمة منضبطة ، أمة تستعيد دور الأمم السابقة في قيادة الأمم ، إن أردت أمة تقود الأمم ينبغي أن تبدأ بالصغار ، وكيف نبدأ بالصغار ؟ نبدأ بالمعلمين ، الأداة الوحيدة لنهوض الأمة المعلم ، الطبيب مع المريض ، مع الاحترام الكامل والتوقير العالي للطبيب ، هو مع المرضى ، والمحامي مع أصحاب المشكلات ، والنجار مع الخشب ، والحداد مع الحديد ، لكن المعلم مع فلذات أكبادنا ، المعلم مع أطهر فئة في المجتمع ، المعلم مع من هم استمرار لنا ، فلذلك ليس من صالح الأمة ، ولا من صالح الأسرة أن تضعضع مكانة المعلم ، لا تُسمع ابنك كلاماً قاسياً على معلمه ، ولو أخطأ ، عود ابنك أن يحترم المعلم ، لأن الذي يحترم معلمه يأخذ منه الكثير . أيها الأخوة ، أنا أقول لكم : احترام المعلم حضارة ، وعدم احترامه تخلف ، سمعت في بلد كألمانيا أن أفضل بيت في القرية هو بيت المعلم ، و في أي حفل رسمي يُقدّم المعلم على رئيس الجمهورية ، هذه التقاليد عندهم . هذا الذي يتولى تربية الأجيال ، لكن مع الأسف الشديد الأوائل في الشهادة الثانوية يذهبون للتسجيل في كلية الطب كما في بلدنا ، في بلاد أخرى الأوائل في الشهادة الثانوية إلى كلية الحقوق ، لأنهم تصوروا أن الذي يحمل لسانس في كلية الحقوق سيكون محافظاً أو وزيراً ، أناس يوكل إليهم أمور الأمة ، ينبغي أن يكونوا على مستوى عالٍ من الذكاء ، في بلاد أخرى يؤخذون إلى جهات حساسة جداً تحتاجهم الدولة ، لكنني أرى أن هذا الذي بيده الأجيال الصاعدة هذه الأمة ما مستقبلها ؟ مستقبلها منوط بأولادها . إذا إنسان محبط ، دخله لا يكفيه خمسة أيام ، ثقافته أقل مما ينبغي ، ليس معه ثمن كتاب ، يعمل بأجر لا يكفيه أياماً ، كيف ينشئ جيلاً ؟ كيف يلقي علماً ؟ كيف يكسب تربية ؟ كيف يكون قدوة ؟ كيف يكون مثلاً ؟ أنا أتمنى وعندي معلومات دقيقة عن بعض البلاد القوية جداً أن الذين يعلمون الصغار هم نخبة الأمة ، ابنك كيف تعلمه ألا يكذب ؟ ألا يهمل ؟ كيف تعلمه أن يحترم الكبير ؟ أن يوقر العالم ؟ أن يدير وقته ؟ أن يصلح شأنه ؟ أن يحسن علاقاته مع الآخرين ؟ أن يرسم لنفسه هدفاً ؟ عن طريق المعلم ، فهذا الذي يتولى تربية ابنك ، إن كان صالحاً صلح ابنك ، وإن كان محبطاً فسد ابنك .
أيها الأخوة ، مرة ثانية : بناء الأمة يبدأ من التعليم ، واسألوا أقرباءكم من الجيل السابق يبقى طوال حياته يترحم على معلمه ، فالمعلمون سابقاً كانوا أصحاب رسالة ، يبتغون وجه الله ، لأن رتبة العلم أعلى الرتب ، بأضخم صرح تعليمي في دمشق ، و هذا معمر من السنة السادسة و الثلاثين ، التجهيز الأولى في مدخلها مكتوب لوحة : رتبة العلم أعلى الرتب. ﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ﴾ . ( سورة النساء ) . أنا أتمنى على الآباء والأمهات ألا يتكلموا كلاماً سيئاً بحق المعلمين والمعلمات ، لأن هذا يضعضع ثقة الابن بمعلمه ولو أخطأ .
أيها الأخوة ، يقول عليه الصلاة والسلام : (( ليس من أمتي من لم يجل كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا حقه )) . [أخرجه الطبراني عن عبادة بن الصامت ] . وأنا أقول لكم من بعض التوجيهات النبوية : "لا تصاحب من لا يرى لك من الفضل مثل ما ترى له ". لا تصاحب إنساناً يستخف بالتعليم ، صدق ولا أبالغ أنا أمضيت في التعليم أكثر من خمسة و ثلاثين عاماً ، بالتعليم الجامعي والرسمي ، والله في كل عام أنا أسعد من السابق ، لأن أنا أمام جيل صاعد ، إن كنت أمامهم مثل أعلى تعلموا مني ، أبني نفوسهم ، أبني عقولهم ، أبني أخلاقهم ، من يتاح له أن يكون بانياً لنفوس يعود خيرها على أمة بأكملها ؟ أحياناً أنت تجد موظفاً يقدم خدمات للمواطنين ، يوجد بقلبه رحمة ، يسعى لخدمة من حوله ، منصف ، أنا أقول : حتماً هذا الإنسان تلقى تربية عالية ، والناس يقولون : فلان مربى ، فأنت ليس من صالحك أيها الأخ الكريم أن تضعضع مكانة المعلم أمام ابنك ، أنت كأب ، ويقول عليه الصلاة والسلام : (( تعلموا العلم ، وتعلموا للعلم السكينة والوقار ، وتواضعوا لمن تعلَّمون منه )) . [أخرجه الطبراني عن أبي هريرة ] . نوجه أولادنا أن يحترم المعلم ، أحياناً طالب يأخذ بيده باقة ورد ، في يوم من أيام السنة لمعلمه ترى أن هذا الطالب يتألق ، باقة ورد بسيطة لأن المعلم شعر أن هناك تقدير ، هذا التقدير انعكس اهتماماً ، أنا أنصح كل أم من قريباتي ، أو كل أب ممن يلوذ بي ، إذا شكا من معلم ابنه ، أقول : اذهب إليه وطيب قلبه ، وأشعره أن جهدك مشكور عندنا ، حتى يهتم بالابن ، لو أن الدرس موجه إلى مدراء المدارس أو مدراء التربية ، أقول : ينبغي أن تؤمن للمعلم راحته وكرامته ، وعندئذٍ يعطي .
بل أقول لكم دائماً : أعطِ الإنسان حاجته وكرامته ، وخذ منه كل شيء ، أعطِ الإنسان حاجته وكرامته ، على مستوى شركة ، أعطِ الموظف حاجته التي تليق بكرامته ، أعطِه كرامته ، خذ منه كل شيء ، وهذا يدخل في إدارة الأعمال ، هذا الذي أمامك إن أعطيته الحاجة التي يحتاجها أعطيته الكرامة التي يسعى إليها ، ملكته ، عندئذٍ أعطاك كل شيء . وأنا أقول هذه الكلمة أردده كثيراً : أعطِ الإنسان رغيف خبزه وكرامته ، وخذ منه كل شيء ، وبأي عمل إداري ، أعطِ من حولك حاجتهم وكرامتهم وخذ منهم كل شيء ، ولعلي أتمنى أن تدار بحوث جامعية حول إدارة الأعمال في الإسلام ، كيف تستطيع من هذا الإنسان أن يعطيك كل شيء ؟. لعلي ذكرت لكم أنني زرت معملاً في بلدة في هذا البلد الطيب ، فأبلغني صاحب هذا المعمل أن إنتاجه مباع لستة أشهر ، وقد دُفع ثمنه كاملاً ، السبب إتقان العمل ، والإتقان من أين جاء ؟ لأنه يعطي رواتب عالية جداً للموظفين الذين عنده ، هؤلاء أعطوا خدمة للمصلحة العامة .
مرة ثانية : أعطِ الإنسان رغيف خبزه وكرامته وخذ منه كل شيء ، فإن أعطينا المعلم حاجته وكرامته أعناه على أن يثقف نفسه ، أن يطالع ، أن يشتري كتباً ، أعطيناه راتباً يغطي حاجته ويحقق كرامته أخذنا منه كل شيء . أنا العبد الفقير أدرت قديماً ثانوية من أربعين سنة ، هيأت للمدرسين برنامجاً مريحاً جداً ، هيأت لهم كرامتهم ، أي طالب تجاوز حده يُفصل بطلب من المدرس ، صدقوا ولا أبالغ نسبة النجاح كانت في الشهادة الثانوية تسعة و تسعين بالمئة ، ماذا تريد ؟ أنا بالأساس كنت مدرساً أعرف ماذا يتمنى المدرس ، أعطِه راحته وكرامته وخذ منه كل شيء ، هذه تنطبق بالأعمال ، بالتجارة ، في المؤسسات ، في المستشفيات ، في المدارس ، في الجامعات ، في البيوت ، هذا الابن يحتاج إلى شيء ، الأب الموفق يعطي ابنه حاجاته المشروعة ، ويعطيه كرامته في البيت ، تجد أن الانضباط تحقق ، و لم يعد هناك أي تطاول أبداً . حدثني أب قال لي : والله يقف أبنائي أمامي كأنهم جنود ، لأنه أمن لهم مستقبلهم ، عندما الأب يهتم بأولاده ، يعطيهم حاجتهم ، يريحهم ، يعطيهم كرامتهم في البيت ، يتفانون في خدمته . أنا أقول دائماً يا أخوان : بطولتك أن تتأكد أن هل من أولادك من يتمنى وفاتك أم هناك من يتمنى بقاءك ؟ الأب الصالح يتمنى أولاده حياته وبقاءه ، والأب البخيل يتمنى أولاد وفاته ، طبعاً لا يتكلمون هذا الكلام هذا شيء داخلي ، أما لو أصابته وعكة و جاء طبيب وقال : عرضية ينزعجون كثيراً ، كيف عرضية ؟ يا ليتها كانت القاضية .
لي كلمة أرددها كثيراً وسامحوني بها : نحن بالثقافة الإسلامية الأب محترم جداً ، لكن البطولة لا أن تكون محترماً أن تكون محبوباً ، بثقافتنا الدينية الإسلامية الأب محترم ، لكن بطولة الأب لا أن يكون محترماً أن يكون محبوباً ، والحب ثمنه الإحسان ، وفي بعض الأحاديث الشريفة : (( ثلاثة لا يستخف بهم إلا منافق : ذو الشيبة في الإسلام ، وذو العلم ، وإمام مقسط )) . [أخرجه الطبراني عن أبي أمامة الباهلي ] . أي قاضٍ مستقيم ، مدير ناحية مستقيم ، رئيس بلدية مستقيم ، إمام يحتل منصباً معيناً ، يعامل من حوله بالعدل ، ولا يظلم أحداً ، الذي لا يحترمه هو المنافق ، ذو علم ، إنسان يحمل شهادة عليا ، امتهن العلم والتعليم ، فالذي يستخف به يعد منافقاً . (( ثلاثة لا يستخف بهم إلا منافق : ذو الشيبة في الإسلام ، وذو العلم ، وإمام مقسط )) . وفي بعض الأحاديث الشريفة أن النبي عليه الصلاة والسلام دعا بهذا الدعاء فقال : (( اللهم لا يدركني زمان أو لا أدرك زمان قوم لا يتبعون العلم ولا يستحيون من الحليم )) . [أخرجه الحاكم عن أبي هريرة ] . وهذا يذكرني بحديث آخر : (( إذا كانَت أُمراؤُكم خيارَكم ، وأغنياؤُكم سُمحاءَكم ، وأمورُكم شورَى بينكم فَظَهْرُ الأَرضِ خَير لكم من بطنها ، وإذا كانت أمراؤُكم شِرارَكم ، وأغنياؤُكم بُخَلاءَكم وأُمورُكم إلى نسائكم ، فبطنُ الأَرض خير لكم من ظهرها )) . [أخرجه الترمذي عن أبي هريرة ] . سيدنا علي بن أبي طالب كان يجلس إلى جنب النبي عليه الصلاة والسلام دخل سيدنا الصديق ، فقام له ، فالنبي بكلمة رائعة أثنى عليهما معاً ، فقال :" لا يعرف الفضل لأهل الفضل إلا أهل الفضل " .
عود ابنك أن يحترم الضيف ، يحترم الكبير ، يحترم ذي الشيبة المسلم ، يحترم المعلم ، يحترم المدرس ، أنا أتمنى ألا يسمح الأب لأولاده أن يقلدوا المعلمين في البيت ، هذا استخفاف ، والذي يحاكي يُعاقب ، وهناك أحاديث كثيرة على أن المحاكاة أي التقليد معصية ، الأب يضحك من أن ابنه يقلد المعلم مستخفاً به ، هذا ليس من صالح الأب ولا من صالح الابن . في بعض الأحاديث أن النبي عليه الصلاة والسلام في بعض المعارك أمر أن يدفن الرجلان في قبر واحد ، فكان يسأل : (( أيهما كان أكثر أخذاً للقرآن ؟ )) . [رواه البخاري في الصحيح عن عبد الله بن يوسف] . يضعه قبل أخيه ، رجح قيمة العلم ، حتى في الدفن ، يضعه قبل أخيه ، وقال بعض العلماء : لا يُنال العلم إلا بالتواضع ، وإلقاء السمع ، أنت بالتواضع تأخذ كل العلوم ، بربك إنسان يطلب العلم من أربعين سنة ، يحمل شهادات منوعة ، قارئ كتب ، كتب بحوث ، له دراسات ، كتلة علم ، أنت بسؤال مؤدب تأخذ علمه ، من استشار الرجال استعار عقولهم، بسؤال مؤدب تأخذ خبرة . أحياناً كما قيل : من لم يأخذ العلم عن الرجال فهو ينتقل من محال إلى محال ، لو كان من الممكن أن نقتني الكتب ، ونكتفي بالكتب القضية سهلة جداً ، يمكن ثاني أكبر ميزانية في الدولة ميزانية التربية والتعليم ، لو كان من الممكن أن نوزع كتباً على الطلاب ، وتقرأ هذه الكتب ، ويكون التعليم نافعاً من دون معلم القضية سهلة جداً ، ولكن هذا العلم لا يؤخذ إلا من معلم ، والمعلم قدوة .
هناك شيء أتمنى أن يكون واضحاً عندكم ، أو ما المهمة التي أنيطت بالنبي ؟ سؤال : حينما أرسل الله هذا الإنسان ليكون نبياً ما المهمة التي أنيطت به ؟ أنا أتصور كما تتصورون أنتم جميعاً أنه البلاغ : ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ﴾ . ( سورة المائدة الآية : 67 ) . أنا أضيف إلى هذه الرسالة أي إلى رسالة التبليغ رسالة القدوة ، أي إنسان يبلغك معلومات تحفظها ، تلقيها على من حولك ، لكن عظمة الأنبياء أنهم طبقوا ما قالوه ، كما قالوا : القرآن كون ناطق ، والكون قرآن صامت ، والنبي عليه الصلاة والسلام قرآن يمشي . وأنا أقول لكم : نحن الآن بحاجة لا إلى إسلام في الكتب ، ولا إلى إسلام في الأشرطة ، ولا إلى إسلام مسجل بدروس ، ولا إلى مقالات ، ولا إلى توصيات ، نحن في أمس الحاجة إلى إنسان مسلم متحرك نراه صادقاً ، نراه أميناً ، نراه عفيفاً ، نراه منصفاً ، نراه رحيماً ، نراه متواضعاً ، الذي يقلب وجه الأرض من مجتمعات كافرة قاسية تسفك فيها الدماء ، تنهب فيها الثروات ، يُذل فيها الإنسان ، إلى مجتمعات راقية لا بدّ من المعلم ، من لم يأخذ هذا العلم عن الرجال فهو ينتقل من محال إلى محال .
ما يروى عن الإمام الشافعي أنه كان إذا تصفح الكتاب أمام أستاذه لا يحدث صوتاً إطلاقاً ، الآن هناك طالب يقلب الصفحات بصوت مزعج جداً ، وهناك إنسان يقلب الصفحات بلا صوت ، أحياناً بالمسجد يلقي الإنسان بحذائه من مكان مرتفع له صوت ، وهناك إنسان يضعه برفق ، إحداث الصوت دليل ضعف الأدب ، وكلما تأدب الإنسان غض من صوته ، فكان الإمام الشافعي يتصفح الكتاب أمام أستاذه من دون أن يصدر صواتاً للورق أثناء تقليب الورق ، و هذا الربيع بن سليمان ـ رحمه الله ـ وهو من تلاميذ الشافعي يقول : "والله ما تجرأت أن أشرب الماء والشافعي ينظر إلى هيبة له" . أحياناً في عقود القران لا تبتعدوا كثيراً يدعى أحد العلماء لإلقاء كلمة ، توزع القهوة ، توزع البوظة ، توضع الصحون فوق بعضها ، صوت لا يحتمل ، حركة ، ضجيج ، ما هذا الكلام ؟!. قالوا : لا يجتمع درس وضرس . تجد طوال الاحتفال أثناء الإنشاد لا يوجد توزيع ، و عندما يقوم الخطيب ليلقي كلمة بعقد القرآن يبدأ توزيع البوظة والصحون والملاعق . فلذلك أنا أنصح المتكلمين ألا يتكلموا إلا إذا كان هناك إنصات كبير ، لأنه من حق الأخ على أخيه أن يستمع له .
هل تصدقون أيها الأخوة الكرام ، أن النبي عليه الصلاة والسلام ما رئي ماداً رجليه قط ، طبعاً هناك إنسان معه التهاب مفاصل ، هذا معذور ، الحديث ليس عنه إطلاقاً المعذور معذور ، أما إنسان بلا عذر يمد رجله أمام معلمه ، ما رئي ، وهو سيد الخلق ، ليس متعلماً هو معلم ، ما رئي ماداً رجليه قط ، أحياناً جلسة فيها أدب ، وهناك سؤال في أدب ، و خطاب في أدب ، إنسان أحياناً يخاطب المعلم بضمير الجمع ، قلتم لنا أستاذ ، ألطف بكثير من قلت لنا ، تكلمتم في درس سابق عن هذا الموضوع لي سؤال ، فهل بالإمكان أن تجيبوني عنه ، استخدم ضمير الجمع هناك أدب أكثر بمعناها . أنا مرة إنسان حدثني عن رجل أجريت معه ندوة بفضائية ـ الفضائية متفلتة طبعاً ـ حول معركة الخندق ، فلما انتهى المتكلم من الحديث عن المعركة كان هناك استخفاف ما بعده استخفاف . إذاً هناك كلمات مؤدبة ، ضمير الجمع ، الاستئذان ، وكلما تأدب الإنسان مع المعلم المعلم تفانى في خدمة المتعلم . حتى إن بعضهم قال : يا بني نحن إلى أدبك أحوج منا إلى علمك ، وأنت بالأدب تنال ما تريد .
مرة ثانية : إن المعلم والطبيب كلاهما لا ينصحان إذا هما لم يكرما. ربِّ ابنك على أن يحترم المعلم ، لست مخطئاً في هذا أبداً ، أنا أعرف أن المعلم إذا وجد طفلاً مؤدباً يتفانى في خدمته ، يتفانى في العناية به ، يتفانى في تعليمه ، لو أن هذا الطفل المؤدب رفع يده ، نعم يا بني ، باهتمام ، أما الطفل الغير مؤدب . مرة طالب يدرس الحادي عشر قال لي : أنا لا أخاف من الله ، قلت له : والله أنت يا بني معك حق ألا تخاف من الله ، الحقيقة جوابي كان يحتاج إلى شرح ، قال لي : لماذا ؟ قلت له : لأن الفلاح أحياناً يأخذ ابنه معه إلى الحصيدة ، و عمر ابنه يقدر بسنتين ، يضعه بين القمح ، يمر ثعباناً طوله عشرة أمتار لا يخاف منه ، لأنه لا يدرك بعد و لا يخاف ، قلت له : الخوف يحتاج إلى إدراك ، طفل صغير لا يخاف ، لأنه لا يدرك . أساساً رأس الحكمة مخافة الله ، كلما ازداد علمك ازداد خوفك . مرّ معي حادثة ، دخلت لمعمل ، وجدت صاحب المعمل وجهه متجهم ، متألم ، خير ؟ قال : تعال انظر ، معمل ضخم ، بناء ضخم ، آلات تعمل بانتظام ، كل شيء على ما يرام ، أنا ما وجدت شيئاً ، نظر إلى جسر في السقف كبير ، فيه خط صغير ، قال لي : هذا الخط جئنا بدكتور بالهندسة وجد أن الأساس منزلق بسبب المياه المالحة ، فعندما انزلق الأساس صار هناك كسر بالجسر ، قال لي : يحتاج ـ يمكن القصة من سنة السبعين ـ إلى خمسمئة و خمسين ألفاً كي يصلح ، الآن خمسة ملايين ، قلت : لو إنسان جاهل قال له : هذا يحتاج إلى معجون ، الفرق بين المعجون و بين تعديل الأساس هذا هو الفرق بين العلم والجهل ، فكلما ازداد علمك ازداد خوفك ، و ازداد قلقك .
إذاً نحن عندنا في الدرس القادم إن شاء الله مجموعة من الآداب تفصيلية ، لكن بقي أدب واحد في هذا الدرس ، أحياناً يكون المعلم عصبي المزاج ، الطفل المؤدب بتوجيه أهله يحتمل عصبية المعلم ، حتى إن هناك آية قرآنية سيدنا موسى كان عصبي المزاج ، أخذ الألواح وألقاها : ﴿ ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي ﴾ . ( سورة طه الآية : 94 ) . سيدنا هارون ، أحياناً هذا طبع ، ونحن كما نقول دائماً : (( يطبع المؤمن على الخلال كلها )) . [أخرجه الإمام أحمد عن أبي أمامة الباهلي ] . هناك مؤمن منفتح ، مؤمن منكمش ، مؤمن ينفق مالاً كثيراً ، مؤمن إنفاقه أقل ، مؤمن انعزالي ، مؤمن يحب المجتمعات . (( يطبع المؤمن على الخلال كلها إلا الخيانة والكذب )) . [أخرجه الإمام أحمد عن أبي أمامة الباهلي ] . أيها الأخوة الكرام ، أرجو الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا لمتابعة هذه السلسة من الدروس ، فلعل الله سبحانه وتعالى يصلح بها بيوتنا وأولادنا . و الحمد لله رب العالمين
| |
|